13- شهـادة الحمـير



‏كان  بمكة رجل يجمع بين الرجال والنساء، ويحمل لهم الشراب .
فشُكِيَ إلى عامل مكة، فنفاه إلى عرفات، فبنى بها منزلاً، 
وأرسل إلى إخوانه فقال:

"ما يمنعكم أن تعاودوا ما كنتم فيه؟ ‏ "



قالوا: " وأين بك وأنت في عرفات؟"

‏ ‏

فقال:

" حمار بدرهم، وقد صِرتم على الأمن والنـُّزهة "



ففعلوا، فكانوا يركبون إليه حتى فسدت أحداث مكة[1]. فعادوا بشكايته إلى والي مكة، فأُرسل إليه وأُتيَ به. فقال الرجل:

" يكذبون عليّ، أصلح اللّه الأمير."



فقالوا:

"دليلنا على ما نقول أن تأمر بحمير مكة فتُجمع وتُرسَل بها أمناءُ إلى عرفات، ثم يرسلونها[2]، فإن لم تقصد لمنزله من بين المنازل كعادتها إذا ركبها السفهاء فنحن غير مبطلين."



فقال الوالي:

" إن في هذا لدليلاً وشاهدًا عدلاً"



فأمر بحمير من حمير الكِراء[3] فجُمعت ثم أُرسلت، فصارت إلى منزله كما هي من غير دليل. فأعلمه بذلك أمناؤه، فقال: ‏ ‏

"ما بعد هذا شيء. جـَرِّدوه!"

 ‏

فلما نظر الرجل إلى السـّياط قال: ‏ ‏

"لا بدّ أصلحك اللّه من ضربي؟"



قال: " نعم."

 ‏ ‏

قال:

"واللّه ما في ذلك شيء هو أشدّ عليَّ من أن يشمت بنا أهلُ العراق ويضحكوا منا ويقولوا: أهل مكة يجيزون شهادة الحمير!"



 ‏ ‏ فضحك الوالي وخلّى سبيله.



من كتاب "العقد الفريد" لابن عبد ربه. ‏


[1] أحداث مكة : شبابها
[2] يرسلونها : يطلقونها وحدها
[3] الكِراء : الأجرة



اصغط للانتقال الى اعلى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.