3- قصة العطار والعقد

قَدِم رجل إلى بغداد في طريقه إلى الحج . وكان معه عِقد يساوي ألف دينار .


فاجتهد في بيعه فلم يجد له مشترياً . فجاء إلى عَطَّار موصوف بالخير ، فأودعه إيّاه .


ثم حج وعاد ، وأتاه بهدية .

 فقال له العطار :
" من أنت ؟ وما هذا ؟ "

فقال :
" أنا صاحب العقد الذي أودعتك  "
فما كلّمهُ حتى رفسه العطار رفسة رماه عن دكانه .

وقال :

"أتدعي علي مثل هذه الدعوى !"

فاجتمع الناس وقالوا للحاج :
" ويلك ! هذا رجل خير . ما وجدت من تدعي عليه إلا هذا ؟! "

فتحير الرجل ، وتردّد إليه ، فما زاده إلا شتماً وضرباً .

فقيل للحاج :
" لو ذهبت إلى عضُد الدولة[1]  ، فله في هذه الأشياء فراسة "

فكتب الحاج قصته ، ورفعها إلى عضد الدولة .
فصاح به فجاء .
فسأله عن حاله ، فأخبره بالقصة .

فقال عضد الدولة :
" اذهب إلى العطار بكرة ، واقعد على الدّكّة أمام دكانه . فإن منعك فاقعد على دكةٍ تقابله من الصّبح إلى المغرب ، ولا تكلمه . وافعل هكذا ثلاثة أيام ، فإني أمرّ عليك في اليوم الرابع ، وأقف ، وأسلّم عليك ، فلا تَقُم لي ، ولا تزِدني على رد السلام وجواب ما أسألك عنه "

فجاء الحاج إلى دكان العطار ليجلس فمنعه ، فجلس بمقابلته ثلاثة أيام . فلما كان في اليوم الرابع ، اجتاز عضد الدولة في موكبه العظيم .
 فلما رأى عضد الدولة الحاج وقف  وقال :
" سلام عليكم !"

فقال الحاج دون أن يتحرك :
" وعليكم السلام  "

قال عضد الدولة :
"يا أخي ، تقْدُم إلى بغداد ، فلا تأتي إلينا ، ولا تعرض حوائجك علينا ؟! "

قال الحاج :
" كما اتَّفَق[2] !"

ولم يشبعه الكلام[3] ,وعضد الدولة يسأله ويهتّم ، وقد وقف ووقف العسكر كله والعطار قد أغمي عليه من الخوف
 . فلما انصرف الموكب التفت العطار إلى الحاج فقال :
" ويحك ! متى أودعتني هذا العقد ؟
وفي أي شيء كان ملفوفاً ؟
فَذَكِّرني لعلي أذكره !"

فقال :
" مِن صفته كذا وكذا ."

فقام العطار وفَّتش ، ثم نَقَض جَرَّة عنده فوقع العقد .

فقال :
"قد كنتُ نسيت , ولو لم تذكِّرني في الحال ما ذكرت !"


من كتاب أخبار الأذكياء لابن الجوزي


[1] عضد الدولة : سلطان بويهي ضم العراق وفارس في دولة موحدة انحلت بعد وفاته بسبب الخلاف بين أبنائه (سنة 983 م).

[2] كما اتفق : هكذا كان


[3] لم يشبعه الكلام : لم يطل الكلام معه

اصغط للانتقال الى اعلى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.